٥ عناصر يعتمد عليها قطاع الضيافة في تطبيق مفهوم الاستدامة

آي هوريكا تستعرض أهم المبادئ والممارسات الخضراء التي يجب أن تهتم بها الفنادق و المطاعم حتى تتحول إلى منشآت مستدامة في قطاع الضيافة
July 21, 2025 by
٥ عناصر يعتمد عليها قطاع الضيافة في تطبيق مفهوم الاستدامة
iHoreca Blog Team

ندرك اليوم أن قطاع الضيافة لم يعد مجرد مساحة لتقديم الخدمات التقليدية من إقامة وراحة ورفاهية، بل تحوّل تدريجيًا إلى مرآة تعكس التحولات الكبرى في وعي المجتمعات واختيارات الأفراد، فتجربة الضيافة المقنعة للضيف باتت مشروطة بمعايير تتجاوز ملمس الخامات ورائحة الأجواء وجودة الأطباق؛ إلى معايير أعمق تتعلق بأثر المنشأة على بيئته المحيطة.

وجاء هذا التحول نتيجة تصاعد وعي عالمي متسارع بقضايا الاستدامة وتغير المناخ وتآكل الموارد، وبينما كانت الاستدامة في سنوات سابقة شعارًا دعائيًا تتبناه بعض المؤسسات للتمايز أو تحسين الصورة الذهنية، أصبحت اليوم اختبارًا حقيقيًا لقدرة أي منشأة ضيافة على البقاء والاستمرار في سوق لم يعد ينظر إلى الراحة كعنصر منعزل عن مفهوم تحمل المسؤولية.

وإدراك هذا التحول هو اعتراف بأن الضيافة - بطبيعتها - هي صناعة متداخلة مع موارد الماء والطاقة والغذاء، وأن استدامة هذه الموارد شرط جوهري لاستدامة الصناعة نفسها، وفي هذا السياق، تحولت الممارسات الخضراء من مجرد إجراءات تحسين إلى مكونات وعناصر أساسية في تقديم مفهوم الضيافة الحديثة.


التوجه إلى ممارسات الاستدامة في قطاع الضيافة

الاستدامة كمعيار للمنافسة في قطاع الضيافة

فقد باتت الاستدامة نفسها معيارًا جديدًا يُضاف إلى معادلة التنافسية، فلم يعد السؤال لدى الضيف الواعي هو: "كيف ستوفر لي هذه المنشأة تجربة مريحة؟" بل أصبح: "كيف ستوفرها دون أن تدفع ثمنها البيئة؟"

هذا التحول في عقلية الضيف، خصوصًا في أوساط الأجيال الأصغر سنًا، أعاد رسم ملامح السوق بالكامل، والمنشآت التي نجحت في جعل الاستدامة جزءًا أصيلًا من هويتها - وليست مجرد إضافة تجميلية - باتت أكثر قدرة على جذب شريحة متنامية من المسافرين الذين يرون في اختيار الفندق أو المنتجع امتدادًا لاختياراتهم الأخلاقية في حياتهم اليومية.

ولكن المسألة ليست مجرد استجابة لضغط السوق، بل هي إعادة تعريف جوهر الضيافة نفسها؛ فالفندق الذي يستهلك موارد من البيئة المحيطة، ويقدم نفسه كجزء من نسيج المكان، لا يستطيع أن ينفصل عن مسؤوليته تجاه هذا المكان

وهكذا، أصبح من معايير قياس نجاح الفندق هو مدى انخفاض استهلاكه للطاقة والمياه، وبقدرته على تقليل نفاياته وإعادة تدويرها، وبمدى اندماجه في منظومة اقتصادية محلية أكثر استدامة.


إعادة تعريف جوهر الضيافة ليكون أكثر استدامة مع البيئة المحيطة

العلاقة بين استهلاك الموارد وهوية المكان

أصبحت " إدارة الموارد داخل منشآت الضيافة " تمثل نافذة تُطل منها هوية المكان على ضيوفه، وتُعلن من خلالها فلسفته العميقة في علاقته مع بيئته الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا التحول يرتبط بنقطة جوهرية أغفلتها صناعة الضيافة طويلًا، وهي البصمة البيئية التشغيلية " Operational Environmental Footprint ".

فتحولت إلى جزء من لغة التواصل بين المكان وضيوفه، سواء بشكل مباشر عبر شهادات الاستدامة التي تُعرض في الواجهات، أو بشكل ضمني عبر تفاصيل أكثر تعقيدًا؛ مثل نوعية المواد المستخدمة في البناء، أو تصميم أنظمة التهوية والإضاءة، أو حتى طبيعة العقود التي تربط المنشأة بمورديها المحليين.

أي ان الفندق أو المطعم أو المنتجع اليوم أصبح نقطة تقاطع بين موارد مستهلكة، وانبعاثات منتجة، وتأثيرات اقتصادية واجتماعية متعددة المستويات، وهذا يعني أن استهلاك الطاقة والمياه، وطريقة إدارة النفايات، صارت "لغة صامتة" تحكي من خلالها المنشأة قصتها.

فعلى سبيل المثال، الفندق الذي يتجاهل استخدام " Greywater Recycling "، ويفضل تصريف مياه الأحواض والدُش والغسالات دون الاستفادة منها، يُضيّع فرصة واضحة لتقليل استهلاك المياه النقية، هذه المياه يمكن معالجتها واستخدامها في أغراض مثل ري المساحات الخضراء أو تنظيف المناطق الخارجية، مما يقلل من استهلاك الموارد ويخفف الضغط على البنية التحتية.


اتباع الممارسات الخضراء في استهلاك الموارد المائية

في المقابل، المنشآت التي تتبنى مفهوم الـ " Embedded Sustainability "، تبدأ من لحظة التصميم بوضع الاستدامة كجزء أساسي من طريقة التشغيل، فتُخطط لاستخدام الموارد بشكل متوازن، وتبني آليات واضحة لإعادة التدوير، وتربط نفسها بالبيئة المحيطة من غير انفصال أو عبء زائد.

ماذا نقصد بالمصطلحات التالية

هذا الفهم يجعلنا نقف أمام مفهوم الـ" Shift in Value Proposition "، أي تحوّل في القيمة الجوهرية التي تقدمها المنشأة لضيوفها، الذين يبحثون عن مكان ينسجم مع قيمهم الشخصية من احترام الموارد وتقليل الهدر ودعم المجتمعات المحلية.

وبالتالي أصبحت تعتمد المعادلة الجديدة على ٣ معايير أساسية وهي الـ :

  • ( دورة الموارد - Resource Circularity ): كيف يتم تصميم العمليات بحيث تعيد تدوير جزء كبير من الموارد المستخدمة بدلًا من استنزاف موارد جديدة؟
  • ( الهوية البيئية - Eco-Identity ): كيف يتحول أداء المنشأة البيئي إلى جزء من سردية المكان، بدلًا من كونه مجرد ملف داخلي ضمن إجراءات الجودة؟
  • (إشراك الضيف - Guest Inclusion ): كيف يُصبح الضيف نفسه طرفًا وشريكًا فاعلًا في تقليل الاستهلاك من دون فرض قيود عليه؟

وبهذا الفهم، أصبحت العلاقة بين استهلاك الموارد وهوية المكان جزءًا أساسيًا من البنية التحتية الحقيقية التي تقوم عليها الضيافة المستدامة " Sustainable Hospitality ".

تعلم عن الضيافة أونلاين


مبادئ إدارة مطابخ الفنادق | كلاس أونلاين



تخطيط وإدارة خدمات الكاترينج | كلاس أونلاين


The Art of Taste: A Guide to Flavors & Flavorings

فن التذوق: دليل النكهات ومكسبات الطعام | كلاس أونلاين


كل ما سبق يقودنا إلى سؤال عملي: كيف يمكن تحويل هذا الفهم إلى خطوات واضحة داخل التشغيل اليومي لأي منشأة ضيافة؟ وكيف تُترجم المفاهيم البيئية إلى قرارات وممارسات تتكرر يوميًا وتُقاس بنتائج فعلية؟

ومن هنا تتضح الحاجة إلى خريطة تشغيلية تُعيد تنظيم الأولويات، وتضع الاستدامة في قلب الخدمة، والعناصر الخمسة التالية تمثل هذه الخريطة، وتُبيّن المسارات الأساسية التي يمكن من خلالها بناء تجربة ضيافة متكاملة تحترم الموارد، وتتفاعل بذكاء مع الضيف، وتتماسك اقتصاديًا عبر الزمن:

أولًا: الطاقة

في قلب كل منشأة ضيافة، تقف الطاقة كمورد أساسي لا يمكن تصور العمليات اليومية بدونه، ولكن المفارقة أن هذا المورد، الذي لطالما ارتبط بمعادلة الرفاهية - كالإضاءة الغامرة، والتكييف المستمر، والتدفئة الفورية - تحوّل اليوم إلى واحد من أخطر مصادر الخلل بين الضيافة وبيئتها.

التحول هنا يُعبّر عن تغير أعمق في فهم العلاقة بين الطاقة والرفاهية ذاتها، فـ "الإفراط في الاستهلاك " لم يعد المعادل المباشر للفخامة، بينما أصبح " الذكاء التشغيلي - Operational Intelligence " هو القيمة الجديدة، أي أن الفنادق التي تستطيع تقديم مستوى عالٍ من الراحة بأقل استهلاك ممكن للطاقة هي القادرة على البقاء في سوق يتحرك بسرعة نحو مفهوم الـ " Carbon-Conscious Hospitality " أي الضيافة التي تقيس كل خطوة بانعكاسها الكربوني.

كما أن إدارة الطاقة في منشآت الضيافة أصبحت جزءًا من الأسلوب الدعائي الذي تستخدمه منشآت خدمات الضيافة والذي يعرف بالـ " Sustainability Storytelling " ، فحين يدخل الضيف أو النزيل إلى غرفة مزودة بأجهزة استشعار ذكية تتحكم تلقائيًا في التبريد والإضاءة بناءً على وجوده أو غيابه، فهو يتلقى خدمة تقنية صامتة ويُدعى بشكل غير مباشر إلى فهم كيف يمكن للفخامة أن تكون ذكية ومسؤولة في آن واحد.

كما يظهر هنا بوضوح مفهوم التوزيع الذكي للموارد أو ما بالـ " Smart Resource Allocation "، حيث تُخصص الطاقة في الوقت والمكان المناسبين فقط، دون إهدار أو مبالغة، وهذه العقلية تُعيد تعريف العلاقة بين التشغيل والضيافة:

الضيف لم يعد مستهلكًا سلبيًا للطاقة، بل أصبح جزءًا من نظام بيئي ذكي يُراعي وجوده ويُعدّل استجابته وفقًا لأنماط استخدامه

والطاقة في الضيافة تشمل التدفئة والتبريد وتسخين المياه والطاقة التشغيلية في المطابخ والمغاسل وغيرها، والتحول نحو مفهوم الـ Integrated Energy Management Systems (IEMS) أصبح ضرورة استراتيجية في العديد من الدول، فهذه الأنظمة تراقب الاستهلاك وتبني نموذجًا توقعيًا " Predictive Model "  لسلوك المنشأة، ويسمح بضبط أنماط التشغيل بشكل استباقي بدلًا من انتظار ارتفاع الاستهلاك للرد عليه.


الطاقة في منشآت الضيافة بين التنبؤ والإدارة

وعلى الناحية الأخرى يظهر التحول بشكل أكبر في المنشآت التي انتقلت من كونها مستهلكًا للطاقة إلى منتج وموزع لها عبر توظيف مفهوم الـ " On-Site Renewable Energy Generation "، سواء من خلال الألواح الشمسية أو أنظمة الطاقة الحرارية الأرضية، هذا التحول يعزز استقلالية المنشأة ويقلل تكاليفها التشغيلية، ويُحوّلها إلى نموذج يُلهم ضيوفها لإعادة التفكير في علاقتهم بالطاقة.

فقد صارت الطاقة في الضيافة اليوم مكونًا جوهريًا في صياغة مفهوم الـ " Eco-Luxury Experience " أي تجربة الفخامة البيئية، حيث يتحقق التوازن بين الراحة والاستدامة كقيمة جوهرية يبحث عنها الضيف ويستعد لدفع علاوة سعرية مقابلها، وكل وحدة طاقة تُستهلك أو تُنتج داخل المنشأة تحمل قيمة للدعاية والنشر القصصي ومكانة تنافسية في السوق.

ثانيًا: الماء​

على عكس الطاقة، التي تُقاس بالكيلوواط/ساعة وتظهر بوضوح في فواتير التشغيل الشهرية، يظل الماء في كثير من منشآت الضيافة موردًا " صامتًا " تتضاءل مركزية حضوره أمام فخامة التجربة البصرية والصوتية التي تغمر الضيف.

ولكن هذا الصمت بدأ يتلاشى مع تصاعد مفهوم الـ " Water Stewardship "، وهو المصطلح الذي يعبر عن الانتقال من مجرد استهلاك الماء إلى إدارة مسؤولة لهذا المورد، بوصفه جزءًا من " أخلاقيات التشغيل " وليس مجرد حاجة تشغيلية.

وما يميز قطاع الضيافة أن استهلاكه للماء لا يرتبط فقط بالخدمات المباشرة المقدمة للضيف؛ مثل الاستحمام، والمسابح، والمطابخ، وإنما يمتد إلى كل الطبقات التشغيلية للمكان؛ من الغسيل التجاري، وأنظمة التبريد التبخيري، وحتى ممارسات الري وتنسيق الحدائق، فكلها حلقات ضمن سلسلة استهلاك مائي متكاملة، وهذا التعقيد يجعل الـ " Water Footprint " يمثل خريطة تكشف نمط علاقتها ببيئتها المائية المحيطة.


الإدارة المسؤولة في استهلاك المياه عبرالفنادق و منشآت الضيافة

والتحول من مجرد "استهلاك" إلى "إدارة واعية" يتطلب رؤية تتجاوز الحلول التقليدية، مثل تركيب صنابير المياه منخفضة التدفق أو تنبيه الضيوف لاستخدام وضع التوفير في التكييف والإضاءة، هذه الإجراءات أصبحت الحد الأدنى المقبول، لكنها لم تعد تُشكل فارقًا تنافسيًا حقيقيًا؛ فالمؤسسات التي تقود هذا التحول هي تلك التي تتبنى مفهوم الـ " Closed-Loop Water Systems "، أي أنظمة مائية دائرية، تستعيد الماء من كل العمليات (الاستحمام، المغاسل، المطابخ) وتعيد تدويره للاستخدام في أنظمة الري أو حتى في بعض العمليات التشغيلية الداخلية، بعد معالجته وفق معايير صارمة.

كما أن أحد المفاهيم المتقدمة في هذا السياق هو الـ " Source-to-Site Water Mapping "، وهو أسلوب يرصد حركة كل قطرة ماء منذ خروجها من مصدرها الطبيعي، مرورًا بدخولها إلى المنشأة، وانتهاءً بخروجها منها بعد الاستهلاك، وهذا التتبع يُمكن المنشأة من بناء استراتيجيات " Water Risk Mitigation "، والتي تعمل على تخفيف مخاطر ندرة المياه في المستقبل، خاصة في الوجهات السياحية التي تقع في مناطق شحيحة الموارد.

تعلم عن الضيافة أونلاين

Food Safety in Restaurants

سلامة الغذاء في المطاعم | كلاس أونلاين


طرق الطهي الاحترافي | كلاس أونلاين

How to Start Your Chef Career?

كيف يبدأ الشيف حياته المهنية | كلاس أونلاين

وفي بعض الوجهات، أصبح التأثير المائي للمنشأة جزءًا من تقييمها المجتمعي العام، بحيث يُقاس نجاح الفندق – بجانب عدد نزلائه أو تصنيف خدماته – أيضًا بمدى احترامه للتوازن المائي المحلي، وفي هذه الحالة، كل نقطة ماء تُستهلك داخل الفندق تُقابلها نقطة ماء تُعاد إلى النظام البيئي المحيط بشكل أو بآخر، حفاظًا على استقرار المورد للأجيال القادمة.

والأكثر تقدمًا من ذلك هو إدماج تقنية الـ " Real-Time Water Monitoring "، التي تتيح للفندق مراقبة كل نقاط الاستهلاك في الزمن الفعلي، وتحليل الأنماط غير الطبيعية للاستهلاك، بما يسمح بالتدخل الاستباقي قبل حدوث التسريبات أو الهدر، وتحقيق مفهوم الـ " Proactive Water Management " بدلاً من الإدارة التفاعلية التقليدية.

بهذا المعنى، فإن الماء أصبح مؤشراً يعكس مدى فهم المؤسسة لنسيجها البيئي، والضيف الذي يقرأ عن سياسة الفندق المائية، ويرى بنفسه تطبيقاتها، ويُصبح طرفًا مشاركًا في الحفاظ عليها، هو ضيف ينتمي إلى جيل يُدرك أن رفاهية اليوم لا يمكن أن تُبنى على حساب عطش الغد

ثالثًا: النفايات

تاريخيًا، كانت النفايات في قطاع الضيافة تُعامل باعتبارها منتجًا جانبيًا لا يرتبط مباشرة بجودة تجربة الضيف، بل يظل محصورًا في كواليس التشغيل، بعيدًا عن عيون النزلاء وعن صورة العلامة التجارية، وهذا الفصل بين " واجهة الضيافة " و" مخرجاتها التشغيلية " هو بالضبط ما جعل إدارة النفايات ملفًا متأخرًا على جدول أولويات كثير من المؤسسات.

ولكن مع تصاعد مفهوم الـ " Waste Circularity " أي إعادة دمج النفايات في دورة تشغيلية مغلقة، تغيرت المعادلة بالكامل، فلم يعد السؤال: كيف نخفي نفاياتنا؟ بل أصبح: كيف نحولها إلى مصدر قيمة جديد؟ وهذه النقلة النوعية أعادت تعريف العلاقة بين النفايات والهوية التشغيلية للمكان، بحيث أصبحت إدارة النفايات مؤشرًا مباشرًا على مستوى النضج البيئي للمنشأة.


 إعادة تدوير النفايات كممارسة لتطبيق مفهوم الاستدامة في قطاع الضيافة

وفي قطاع الضيافة تحديدًا، تأخذ النفايات أشكالًا متعددة، من بواقي الطعام في المطابخ إلى العبوات البلاستيكية في غرف الضيوف، وحتى النفايات الناتجة عن أعمال الصيانة الدورية، وهذا التنوع فرض على المنشآت الرائدة تبني استراتيجيات الـ " Segregation at Source "، أي الفرز من المنبع، بحيث لا يتم التعامل مع النفايات كمزيج عشوائي، بل كتيارات منفصلة يتم إدارتها وفقًا لطبيعتها وقدرتها على الدخول في دورات إعادة التدوير أو إعادة الاستخدام " Re-Purposing ".

التحول الأهم هنا ليس فقط في التقنيات المستخدمة لإدارة النفايات، بل في الموقع الذي تحتله هذه العملية داخل فلسفة التشغيل الكلية للمنشأة أو الفندق ، في بعض الفنادق التي تبنت نموذج الـ " Zero Waste Operationsأصبحت إدارة النفايات ثقافة مؤسسية يمتد تأثيرها:

  • من قرارات المشتريات: حيث يتم اختيار الموردين بناءً على قدرتهم على توريد منتجات قابلة لإعادة التدوير.
  • إلى سياسات تقديم الطعام: حيث يتم تصميم قوائم الطعام مع الأخذ في الاعتبار تقليل الهدر في مراحل التحضير والخدمة.

كما أن الضيف نفسه لم يعد مستبعدًا من هذه المنظومة، فمع تصاعد مفهوم الـ " Guest Waste Engagement "، أصبح جزء من التجربة الفندقية في بعض المنشآت يتضمن تعريف الضيف بسياسات تقليل النفايات، بل وأحيانًا إشراكه في عمليات الفرز أو التبرع ببواقي الطعام الصالحة عبر شراكات مع بنوك الطعام المحلية، وهذا الدمج بين الضيف والمنظومة التشغيلية يخلق نوعًا من " المسؤولية المشتركة " التي تعيد تشكيل العلاقة بين الضيف والمكان ليصبح جزءًا من الحل.

ويعد الأكثر تقدمًا من ذلك هو استخدام تقنيات الـ " Waste Analytics Platforms "، وهي أنظمة تحليل بيانات متقدمة تربط بين أنماط استهلاك الموارد في المنشأة وبين أنواع وكميات النفايات المنتجة، بما يسمح بتوقع النفايات المستقبلية وتطوير خطط استباقية لتقليلها قبل أن تُنتج أصلًا.

وهذا المستوى من التكامل بين تحليل البيانات والإدارة التشغيلية يمثل أحد ملامح الـ " Next-Generation Hospitality Operations "، حيث تصبح كل نقطة هدر محتملة نقطة بيانات قابلة للتحليل والمعالجة.

رابعًا: الغذاء

في السياق نفسه الذي كشف التحولات الجوهرية في الطاقة والماء والنفايات، يحمل ملف الأغذية والمشروبات بُعدًا مشابهًا في الاتجاه، لكنه أكثر حساسية وتعقيدًا من حيث التفاصيل، فالتجربة الغذائية داخل الفندق أصبحت ساحة مركزية لاختبار الالتزام البيئي:

١- فالمنشآت التي تتبنى رواية بيئية شاملة تجد نفسها أمام سلسلة توريد طويلة ومتشعبة، تُعرف باسم " Food Value Chain "، تبدأ من الزراعة وتمر بالنقل والتخزين، وتنتهي بتحضير الطعام والتعامل مع الفائض، وكل حلقة من هذه السلسلة تترك أثرًا بيئيًا مباشرًا، وكل قرار داخلها يحتاج إلى ضبط واعٍ.

٢- وضمن هذا الإطار، برز مفهوم الـ " Sustainable Food Sourcing " كأحد المؤشرات الحقيقية على التوجه الفعلي للمكان؛ فكلما اقترب مصدر الطعام من موقع الضيافة، وقلّت مراحل الوساطة والنقل، زاد الاتساق بين (الخطاب والممارسة)، أي أن ما يُقال في سياسات الاستدامة ينعكس فعليًا في طريقة تقديم الطعام ومصدر مكوناته، ومن هذا المنطلق، بدأت المنشآت في تبنّي نمط الـ " Hyperlocal Sourcing "، عبر الاعتماد على موردين قريبين جغرافيًا، بل ووصل الأمر إلى إنشاء مزارع عضوية صغيرة داخل حدود المنشأة نفسها.

٣- وبمجرد دخول المكونات إلى المطبخ، تنتقل مسؤولية الاستدامة من المورد إلى الطاهي، لتبدأ مرحلة جديدة من الانضباط التشغيلي تتعامل مع كل تفصيلة باعتبارها فرصة للترشيد أو الهدر


الالتزام بمسؤولية الاستدامة في طهي وتقديم الأغذية عبر منشآت الضيافة

٤- وبداخل المطابخ، بدأت أدوات الرقابة تأخذ شكلًا أكثر تطورًا، عبر استخدام تقنيات الـ " Food Waste Mapping "؛ وهي آليات لرسم خريطة دقيقة لحركة المواد الغذائية منذ لحظة دخولها وحتى مصيرها النهائي، بما يسمح ببناء خطط تفصيلية لتقليل الفاقد.

٥- في حين أن هندسة القوائم نفسها أصبحت ممارسة تشغيلية واعية، تُعرف بـ" Menu Engineering for Sustainability "، وتُصمَّم فيها الخيارات بناءً على الأثر البيئي لكل طبق، لا فقط على أساس الذوق أو التفضيل؛ وبعض المنشآت بدأت في إدراج " Carbon Labels " داخل القوائم، كأداة تمكّن الضيف من اتخاذ قرار مسؤول دون إملاء أو ضغط.

٦- وفي المنشآت الأكثر تقدمًا، لم تعد بقايا الطعام تنتهي في سلة مهملات، بل تدخل دورة تشغيلية جديدة، ويتم ذلك من خلال تحويل المخلفات العضوية إلى سماد أو استخدامها كمصدر لإنتاج Biogas بالشراكة مع مزارع محلية.

وقد عزز هذا التوجه بشكل عام، التحول في وعي الضيوف، خاصة من فئة الـ " Eco-Conscious  Millennials and Gen Z Travelers "؛ فهؤلاء ينظرون إلى الطعام كجزء من أخلاقيات المؤسسة التي اختاروا الإقامة فيها.

التجربة الغذائية في تلك الفنادق تعكس المسار الكامل من إنتاج المحاصيل إلى تقديم الأطباق وخدمات الأغذية، حيث يلاحظ الضيف تفاصيل الزراعة، والتحضير، والتقديم كجزء متكامل من أسلوب التشغيل في المنظومة ككل؛ فيصبح تطبيق عملي لقيم المؤسسة، وليس مجرد وجبة بتذوقها الضيف أو النزيل

ما الجديد في مجال الضيافة ؟

الذكاء الاصطناعي الوكيلي يعيد تشكيل مفاهيم الضيافة

 
٧ أساليب يعتمد عليها قطاع الضيافة في تدريب فرق العمل​


تتجه الفنادق الذكية لتقديم مفهوم الخدمة الهادئة بـ ٣ آليات جديدة


المطابخ السحابية .. استراتيجية الفنادق الجديدة لزيادة أرباحها


خامسًا: العمارة الخضراء

منذ نشأة الفنادق الحديثة، كانت العمارة في قطاع الضيافة تُعامل باعتبارها قشرة خارجية تُصمم لاستعراض الهوية البصرية أو مواكبة الاتجاهات الجمالية السائدة، ولكن مع تصاعد مفاهيم مثل الـ "Green Building " و الـ " Passive Design Strategies " في العقود الأخيرة، بدأت هذه القشرة تتحول إلى جلد حي يتنفس ويتفاعل مع بيئته، كجزء عضوي من التجربة المستدامة.

فلم يعد يُنْظَر إلى المبنى ككيان يستهلك الطاقة، بل كعنصر يتكيف مع الظروف البيئية المحيطة ليقلص حاجته للطاقة من الأساس؛ فنادق مصممة بزوايا تسمح بالتهوية الطبيعية بدلًا من الاعتماد الكامل على أنظمة التكييف، أو تعتمد على توفير الإضاءة الطبيعية للغرف والممرات طوال النهار، وبالتالي أصبحت هذا الفنادق اليوم بمثابة نماذج معيارية في تصميم الضيافة المستدامة.

تعلم عن الضيافة أونلاين


أساسيات بناء الدراسة التسويقية للمطاعم | كلاس أونلاين

Managing Restaurants Operations During Peak Hours

إدارة المطاعم في فترات زيادة الطلب | كلاس أونلاين


إدارة المخاطر والأزمات في المطاعم | كلاس أونلاين

والفرق الجوهري هنا أن عمارة وبناء الفندق لم تعد بمثابة فقط (مرحلة تسبق التشغيل)، بل أصبحت مكونًا تشغيلًا في حد ذاته، والتصميم الذكي أصبح أداة لتقليل الحمل البيئي، سواء عبر مواد البناء منخفضة الكربون أو من خلال أنظمة الواجهات الذكية " Dynamic Facades " التي تتغير استجابتها الحرارية وفقًا للطقس الخارجي.

والأهم من ذلك أن العمارة نفسها باتت تلعب دورًا سرديًا - قصصيًا - أو دعائيًا، حيث يقرأ الضيف فلسفة المكان البيئية من خلال تفاصيل البناء؛ حيث الأسقف الخضراء التي تمتص الحرارة، والجدران النباتية التي تنقي الهواء وتوفر عزلاً طبيعيًا، والنوافذ المزدوجة ذات العزل الحراري، فكلها رسائل موجهة للضيف تقول: "الفندق هو جزء من منظومة تعايش ذكية".

التحديات

رغم أن الخطاب السائد حول استدامة الضيافة يُروّج لها باعتبارها استثمارًا مربحًا على المدى الطويل، إلا أن الواقع التشغيلي يُظهر صورة أكثر تعقيدًا، حيث تقف المنشآت في مواجهة سلسلة مترابطة من التحديات المالية والإدارية واللوجستية، تجعل الانتقال إلى نموذج ضيافة مستدامة قرارًا استراتيجيًا محفوفًا بالمخاطر المدروسة.

  • أول وأوضح هذه التحديات يتمثل في الـ " Capital Intensity " أو كثافة رأس المال المطلوب لتنفيذ التحول الأخضر، فالمنشآت القديمة على وجه الخصوص تجد نفسها أمام معادلة صعبة: هل تستثمر في تحديث شامل للبنية التحتية حتى تتوافق مع معايير الاستدامة الجديدة؟ أم تكتفي بتحسينات تجميلية سطحية ترفع من صورتها البيئية مؤقتًا دون معالجة الجذور التشغيلية؟ وهذا التردد يرتبط بغياب نماذج مالية واضحة تقيس بدقة الـ " Payback Period " أو فترة استرداد التكاليف لمشروعات الاستدامة في قطاع الضيافة؛ نظرًا لتفاوت الأسواق وتنوع عوامل التأثير.


من تحديات الفنادق: إيجاد رأس المال الكافي لعمل التحديثات الشاملة
  • والتحدي الثاني أكثر تعقيدًا، وهو متعلق بدمج الاستدامة في كل مفاصل العمليات اليومية، فبدلًا من وجود "قسم بيئي" منعزل، تتطلب الاستدامة الحديثة إعادة صياغة الـ " Standard Operating Procedures (SOPs) " بالكامل، بحيث تصبح كل وظيفة – من التدبير الفندقي إلى الطهي إلى الصيانة – مسؤولة بشكل مباشر عن تحقيق الأهداف البيئية، وهذا التحول من "الإجراءات التقليدية" إلى "العمليات الدائرية" يحتاج إلى برامج تدريب معمقة، وتغيير ثقافي حقيقي داخل المؤسسة، وليس مجرد تعليمات مكتوبة.
  • التحدي الثالث يتصل بعلاقة المنشأة مع سلاسل التوريد، فالضيافة المستدامة تعتمد بشكل جوهري على مدى استدامة الموردين الذين تزودوا الفندق بالغذاء، والمنظفات، والمفروشات، والتجهيزات التقنية، أي بناء سلسلة توريد خضراء، تتطلب إعادة تقييم العقود والشراكات، وتفضيل الموردين الذين يملكون شهادات بيئية أو يطبقون معايير الاستدامة، وهذا يرفع التكاليف المبدئية ويعقد أنظمة المراقبة والمتابعة.
  • أما على المستوى التسويقي، هناك تحدٍ آخر يتمثل في إدارة الصورة الذهنية لدى الضيوف، فبعض الضيوف التقليديين قد ينظرون إلى ممارسات الاستدامة باعتبارها "توفيرًا على حساب الرفاهية"، خاصة إذا انعكس ذلك على جوانب تمس تجربتهم المباشرة (مثل ضبط التكييف، أو تقليل أدوات الاستخدام الفردي)، وهذا الخلل في الإدراك يجعل بعض المنشآت تتردد في تطبيق ممارسات الاستدامة بشكل كامل، خشية التأثير على تقييمات النزلاء عبر المنصات الرقمية.

  • والأهم من كل ذلك أن كثيرًا من المنشآت السياحية تعمل في بيئات تنظيمية غير مستقرة فيما يخص السياسات البيئية، فعدم استقرار الأطر القانونية يجعل بعض المنشآت تخشى الاستثمار في حلول مستدامة قد تصبح "اختيارية" أو "غير مدعومة" في المستقبل إذا تغيرت الحكومات أو تراجعت الأولويات البيئية.

ومع ذلك، المؤسسات التي تتجاوز هذه التحديات وتتبنى مفهوم الـ " Long-Term Environmental ROI " تدرك أن الاستدامة ليست "تكلفة إضافية"، بل " Risk Mitigation Strategy " تحمي الفندق من تقلبات أسعار الطاقة والمياه، وتقلل اعتمادها على موارد قد تصبح شحيحة أو خاضعة لأطر محددة مستقبلية.


أن تصبح كل خدمة في الفندق متوافقة مع الأهداف البيئية

وفي ختام هذا المقال، نوضح أن الاستدامة في قطاع الضيافة ليست "مشروعًا قصير الأمد" يُنفذ ثم يُنسى، بل هي عملية تحول مستمرة تعيد تشكيل كل جانب من جوانب العمل، وتدمج البعد البيئي داخل المعادلة الاقتصادية، لتصبح المنشأة أكثر قدرة على البقاء في عالم يعيد تعريف معاني الفخامة والنجاح.

وعندما ننظر إلى قطاع الضيافة في صورته التقليدية، نكتشف أنه كان قائمًا على معادلة تبدو بسيطة، ألا وهي: استثمار رأسمالي كبير يُترجم إلى تجربة رفاهية تستهلك الموارد بكثافة، والنجاح يُقاس بمدى القدرة على جذب الضيوف وزيادة معدلات الإشغال، بصرف النظر عن التكلفة البيئية والاجتماعية لهذا النمو

لكن مع تحول السياحة العالمية من صناعة منفصلة إلى جزء عضوي من النسيج البيئي والاجتماعي لكل وجهة، تغيرت المعادلة بالكامل، فالاستدامة لم تعد مجرد "خيار" أو "امتياز إضافي" يُمكن للمنشآت تبنيه لتحسين صورتها أو التميز في السوق، بل أصبحت – في كثير من المناطق الجغرافية والجهات السياحية - شرطًا وجوديًا يحدد ما إذا كانت المنشأة قادرة أصلًا على الاستمرار في العمل مستقبلاً أم لا.

وهذا التحول جاء كنتيجة طبيعية لحقيقة أعمق، وهي أن قطاع الضيافة، في جوهره، يعتمد بالكامل على جودة البيئة التي يعمل فيها، والفندق الذي يقع في جزيرة استوائية لن يستمر إذا تآكلت شواطئها بفعل تغيّر المناخ، ومنتجع الجبل لن ينجو إذا اختفى غطاؤه النباتي بسبب سوء إدارة الموارد المائية، والوجهات الثقافية تفقد معناها إذا لم تحتفظ المجتمعات المحلية بدورها الثقافي الأصلي المميزة به، لأن الزائر لا يأتي فقط للخدمة، بل ليقابل هويات مختلفة لمجتمع وأفراد حقيقيين بهويات أصلية.

وفي هذا الإطار، يعتقد الكثيرون أن المستقبل لن يكون للمنشآت الأكبر أو الأثرى، بل للمنشآت الأذكى، تلك القادرة على قراءة المتغيرات العميقة التي تعيد تشكيل العالم من حولها، وتُعيد تعريف نفسها بوصفها حارسًا أمينًا على المكان الذي تعمل فيه، ومسؤولًا مباشرًا عن ضمان استدامته للأجيال القادمة.

اكتسب مهارات جديدة في الضيافة

 
 

لماذا يُعد تسجيل العلامة التجارية
لمطعمك أمرًا بالغ الأهمية؟

تعلّم الخطوات الأساسية والمتطلبات اللازمة لتسجيل العلامات التجارية وحمايتها في قطاع الضيافة

تعلم الآن

 
 

تحقيق التوازن بين العمل والحياة
في قطاع الضيافة

تعرّف على استراتيجيات فعّالة وتقنيات عملية لتحقيق توازن مثالي بين العمل والحياة لمتخصصي الضيافة

تعلم الآن

 
 

إتقان استخدام أدوات
استخلاص القهوة المتنوعة

تعلّم كيفية التعامل مع أدوات استخلاص القهوة المختلفة، وفهم العوامل المؤثرة على جودة القهوة

تعلم الآن

تعرف على كل جديد في مجال المطاعم والفنادق من خلال آي هوريكا

المنصة المتخصصة لقطاع خدمات الأغذية والضيافة

اعرف أكثر