تشهد صناعة الضيافة تحوّلًا تكنولوجيًا تقوده موجة جديدة من الذكاء الاصطناعي يُطلق عليها اسم " الذكاء الوكيلي - Agentic AI " ورغم أن المصطلح يبدو موحّدًا، إلا أن تطبيقه العملي داخل القطاع ينقسم إلى مسارين واضحين ومختلفين:
- الأول: ذكاء يتبع للضيف، ويتولى عنه اتخاذ قرارات الحجز والتنقل وتنسيق الرحلة دون أي تدخل منه، وهو ما يُغيّر جذريًا طريقة وصول الضيوف إلى الفنادق
- الثاني: ذكاء تديره الفنادق نفسها، يتحرك ذاتيًا لتحسين التجربة داخل المنشأة، من التخصيص والصيانة والتسعير
والزاويتان تشتبكان في نقطة واحدة، وهي أن القرار لم يعد بشريًا بالكامل، ولكنهما تختلفان تمامًا في من يمتلك الذكاء، ومتى يظهر في رحلة الضيف، وفي السطور القادمة، نستعرض الزاويتين بشكل مستقل لتوضيح كيف يتشكل المشهد الجديد للضيافة، ولكن قبل ذلك، نحتاج أولًا لتحديد ما نعنيه بهذا النوع من الذكاء.

ما هو الذكاء الاصطناعي الوكيلي ؟
الذكاء الاصطناعي الوكيلي " Agentic AI " هو نمط من الذكاء الاصطناعي يتميز بالقدرة على اتخاذ قرارات وتنفيذ أفعال بشكل مستقل، بهدف تحقيق نتائج محددة دون انتظار أوامر مباشرة من المستخدم، وبخلاف الأنظمة التقليدية التي تستجيب للمدخلات، يتحرك هذا الذكاء بشكل استباقي، ويُنفّذ خطوات كاملة اعتمادًا على معايير، وتفضيلات، وسياقات مجمّعة من بيانات سابقة أو مواقف آنية.
وهذا النوع من الذكاء يُصمَّم ليكون "فاعلًا رقميًا"، أي أنه يسعى لتحقيق هدف معيّن، مثل؛ (الحجز – التوصيل – التعديل - التوصية) ويطوّر سلوكه بمرور الوقت عبر التعلم من التكرار والاستجابة، ويُعدّ انتقال القرار من الإنسان إلى الوكيل هو الفارق الجوهري بينه وبين الأنماط الأخرى من الذكاء الاصطناعي.
كيف يظهر وكلاء الذكاء الاصطناعي في قطاع الضيافة ؟
بعد فهم ماهية الذكاء الوكيلي، تأتي الخطوة الأهم: أين يظهر هذا النوع من الذكاء؟ وكيف يتجلى فعليًا في القطاعات الخدمية؟
بالإشارة إلى قطاع الضيافة – بمكونيها الأساسيين: الفنادق والمطاعم– فهي تمثل أحد أوضح البيئات التي يشق فيها الذكاء الوكيلي طريقه كعنصر يعيد تشكيل العلاقة بين المنشأة والعميل، وبين القرار والتنفيذ.
في هذا السياق، سنتناول الزاويتين الرئيسيتين لظهور الـ " Agentic AI " كما أشرنا إليهم سابقًا كالتالي:
- الأولى: عندما يكون الذكاء مملوكًا للضيف أو العميل، ويتخذ القرارات نيابة عنه.
- الثانية: عندما يكون الذكاء جزءًا من تشغيل المنشأة نفسها، ويتصرف داخليًا لتحقيق أهداف محددة.
وسنبدأ أولًا بالفنادق، حيث تظهر ملامح التحوّل بشكل واضح في سلوك الضيوف وطرق الحجز، ثم ننتقل لاحقًا إلى المطاعم وقطاع الأغذية والمشروبات، بخصوصيته التشغيلية وسرعة قراراته اليومية.

الزاوية الأولى: عندما يقرّر الذكاء نيابةً عن ضيف الفندق
بدأ الذكاء الوكيلي يتجلى في قطاع الفنادق من خلال وكلاء رقميين يتبعون الضيف نفسه، ويتصرفون بالنيابة عنه في الحجز والتخطيط والتفضيل، وهذه ليست مجرد أداة مساعدة، بل أصبحت حلقة حاكمة في قرار اختيار الفندق.
ما الذي تغيّر فعليًا في سلوك الضيف الفندقي؟
وسلوك الحجز لم يعد تفضيلًا فرديًا، بل يتحول تدريجيًا لأن يصبح قرارًا يتم خلف الكواليس بواسطة خوارزمية تتعامل مع الفندق كعنصر بيانات، فالضيف لن يدخل مرحلة المقارنة التقليدية، ولن يبحث، ولن يزور مواقع الحجز، ولن يقيّم الصور، ولن يُجري مقارنات على أساس الانطباع أو القصة.
بل سيتولى الوكيل الرقمي المهمة وفق معايير واضحة، وهي على سبيل المثال؛ الموقع، والسعر، وسياسة الإلغاء، والمرافق، وسجل التوافق السابق، وهذه المعايير تُقاس بدقة، وتُستخدم لاتخاذ القرار في ثوانٍ.

وهنا ينقلب الترتيب القديم، حيث كانت المرحلة التي كانت تشهد التأثير العاطفي، والتفضيلي، والبصري – لحظة اختيار الفندق – اختفت تمامًا من يد الفندق، والقصة التي كانت تروى عن علامة الفندق التجارية لم تعد موجهة للضيف، بل تُعرض – بشكل غير مباشر – على خوارزمية لا تتفاعل مع سرد أو عاطفة.
لذا، ما كان يُسمّى "الانطباع الأول" أصبح يحدث بعد الحجز، لا قبله، والنتيجة أن الفندق لا يُختار بناءً على الإحساس، بل بناءً على المطابقة الصامتة لملف تفضيلات لا يراك فيه أحد
وهذا الأمر أصبح بمثابة تهديد للفنادق، لماذا؟
لأن الفنادق ستخوض منافسة داخل سوق لا تُرى فيه، ولحظة التأثير التي كانت تبدأ عند أول زيارة لموقع الفندق، أو أول نظرة إلى صوره وتقييماته، أصبحت الآن تجري بالكامل داخل خوارزميات لا يملك الفندق مدخلًا مباشرًا إليها، فالتسويق المرئي، واللغة البصرية، والشعارات، وحتى الكفاءة التشغيلية، كلها عناصر لم تعد تُستخدم كمعايير اختيار أساسية، إلا إذا كانت مترجمة مسبقًا إلى بيانات قابلة للفهم والتحليل من قبل أنظمة الذكاء الوكيلي.
أصبحت قدرة الفندق على الظهور والاختيار مرتبطة بمدى قابلية تجربته لأن تتحول إلى معلومات دقيقة يمكن للوكيل قراءتها وتقييمها، أي أن الأمر لم يعد يتعلق بجودة التجربة، بل بقدرة الفندق على توصيف تلك التجربة بلغة تُفهم آليًا، فما لا يُسجَّل لا يُقيَّم، وما لا يُترجم إلى بيانات، لا يدخل ضمن المفاضلة
والخطر الأكبر أن تتحول العلامة التجارية إلى عنصر محايد داخل مصفوفة اختيار، تُقيّم فقط بناءً على الموقع، والسعر، وسياسة الإلغاء، أو تكرار الاستخدام، دون أن يكون لها قصة تُسمع أو هوية تُميّز.
فحتى أقوى فرق خدمة العملاء لم تعد تؤثر في قرار الحجز، لأن هذه الفرق لن تظهر في لحظة المفاضلة، ما لم يكن سلوكها مُسجّلًا ومتصلاً بملف الضيف الرقمي، فإن أثرها لا يُحتسب، وهكذا أصبح التهديد الحقيقي ليس في التراجع عن التميز، بل في الغياب الكامل عن شاشة الاختيار.
وبالتالي يتضح أن الذكاء الوكيل يوجه عملية الحجز وتجربة الضيافة إلى سمات جديدة كالتالي:
يُعتقد أن سلوك " البحث والمقارنة " الذي كان يُعتبر حجر الأساس في استراتيجيات التسويق الفندقي، سيختفي تدريجيًا، فالضيف لن يفتح مواقع المقارنة، ولن يطالع التقييمات، أي أن عملية اتخاذ القرار ستصبح آلية بالكامل | نهاية التصفح |
حين يتعلم الوكيل الرقمي أن المستخدم يفضل الغرف الهادئة، والسرير الكبير، أو قرب الفندق من صالة الألعاب، فتصبح هذه المعايير ثابتة، وبالتالي، أي فندق لا يتطابق معها يتم تجاهله تلقائيًا، بغض النظر عن صورته التسويقية أو سمعته | التفضيلات أصبحت |
الضيوف يفوضون مسؤولية إدارة رحلتهم للذكاء الاصطناعي، فقرار الحجز، وتوقيت الوصول، ونوع الخدمة، كلها تُحدد دون تدخل شخصي مباشر، وهذا يُنتج ضيفًا يصل إلى الفندق وقد تم اتخاذ معظم قرارات رحلته بالفعل، مما يرفع من سقف توقعاته، لكنه يقلل من استثماره العاطفي في التجربة | تفويض القرار بالكامل |
الذكاء الوكيلي لا يُشبه وكلاء السفر أو مواقع الحجز الإلكترونية، فهو لا يتأثر بالإعلانات، ولا يسعى لعمولات، ولا تحركه الانطباعات، بل يتعامل فقط مع البيانات: كالسعر، والموقع، والتقييم الفعلي، والتوافق مع التفضيلات، وهذا يُعيد رسم خريطة التأثير التسويقي بالكامل
| ظهور وسيط جديد |
ولكن رغم ذلك، أين تكمن الفرصة الآن؟
هذا التحول يفتح للفنادق مساحة استراتيجية جديدة، تبدأ من لحظة وصول الضيف، لا من لحظة حجزه، وبالتالي يتطلب:
١- تحسين التجربة بعد الوصول
عندما تُحسم عملية الحجز خارجيًا بواسطة وكيل، تنتقل لحظة التأثير من مرحلة القرار إلى مرحلة الإقامة نفسها، فلم يعد الفندق يملك زمام الاختيار، لكنه يملك زمام التقييم اللاحق، وفي هذه الحالة، تتحوّل الإقامة إلى أداة استراتيجية لإعادة التأثير على العميل، لا مجرد خدمة تنفيذية، وكل تفصيلة – من طريقة الاستقبال وحتى ترتيب الوسائد – تُسجَّل كإشارة داخل نظام الوكيل الذكي، وتُخزّن ضمن ملف تفضيلات الضيف، والمطلوب هنا هو خلق تجربة يمكن تتبّعها، وتكرارها، وتصنيفها لاحقًا كمؤشر دقيق على نجاح التجربة، وليس فقط إرضاء العميل.

٢- فهم طريقة تفكير وكلاء الذكاء
الوكلاء لا يعملون كواجهات مستخدم، بل كنظم اختيار محايدة، ولفهمهم، تحتاج الفنادق إلى رؤية تشغيلية لآلية اتخاذ القرار داخل هذه الأنظمة، والتي تعتمد على:
- المعايير الصريحة: السعر – الموقع - سياسات الإلغاء - التقييمات
- المعايير السلوكية: الاختيارات السابقة - وقت الحجز - مدة الإقامة - نوع الجهاز
- الاستجابات التراكمية داخل الإقامة نفسها
وهنا، يمكننا الإشارة إلى احتماليات ظهور وظيفة جديدة في هذا الشأن، وهي وظيفة مدير علاقات الذكاء الاصطناعي - AI Relationship Manager ، وهو من يتتبع هذه المدخلات، ويعمل على تحسين ظهور الفندق داخل آلية التقييم الخوارزمي.
٣- التحول إلى تخصيص تشغيلي
لم تعد الأنظمة الذكية داخل الفندق تُعامل كوسائل راحة أو كماليات تشغيلية، بل أصبحت جزءًا أساسيًا من قنوات التفاعل مع الوكيل الرقمي الذي يتحكم في قرار الحجز، وهذا التحول يضع التكنولوجيا في قلب المعادلة، لضمان التواجد المستقبلي في دائرة الاختيار، مثل:
- نظام إدارة الممتلكات (Property Management System - PMS) : والذي يربط بين تفضيلات الضيف وطريقة تنفيذ الخدمة داخل الغرفة، مثل ترتيب الإضاءة أو نوع الوسادة
- محرك التخصيص الذكي (Personalization Engine) : والذي يقدّم اقتراحات تلقائية للخدمات الإضافية حسب نوع الإقامة وسلوك الضيف
- نظام إدارة علاقات العملاء المتصل (Connected Customer Relationship Management - CRM) : والذي يسجّل كل تفاعل، ويضيفه إلى ملف رقمي يُستخدم لاحقًا في تحسين فرص الظهور داخل قرارات الحجز القادمة
وبهذه الطريقة، التخصيص يتحول إلى عنصر أساسي في التشغيل، يعمل كمدخل فعلي للتأثير على مستقبل الطلب، ويمنح الفندق موقعًا أقوى في اختيارات الضيوف القادمة.
تعلم عن مجال الضيافة أونلاين
الزاوية الثانية: الذكاء الوكيلي التابع للفندق

وفي موازاة تطور الذكاء الاصطناعي على مستوى سلوك الضيف، تعمل المنشآت الفندقية أيضًّا على بناء نماذج داخلية من الذكاء الوكيلي خاصة بها داخل المنشأة، تتولى تنفيذ قرارات تشغيلية بشكل مستقل، دون تدخل بشري مباشر، ويهدف إلى تحقيق أهداف تشغيلية محددة مسبقًا، مثل: تحسين جودة الخدمة، وتقليل التكاليف، أو تعزيز التجربة الشخصية للضيف، وذلك وفق أهداف واضحة، وبأقصى درجة من القدرة على التكيّف.
ومن أمثلة النماذج التشغيلية الوكيلية المتكاملة:
١- تخصيص التجربة داخل الغرف: حيث يهتم النظام بحظ التفضيلات، وربطها بنمط التشغيل، على سبيل المثال:
- إن كان الضيف وصل في وقت متأخر، تُخفف الإضاءة تلقائيًا
- إن كان الجو ممطرًا، تُعرض عليه خيارات توصيل الطعام أو تمديد الإقامة
- إن تم اكتشاف سلوك متكرر (طلب من نوع معين)، يتم اقتراحه قبل أن يطلبه
٢- المراقبة التنبؤية للصيانة والتشغيل: تعتمد أنظمة الـ " Predictive Maintenance " على تحليل بيانات الاستهلاك مثل (الكهرباء – المياه – التكييف) ومقارنتها بسجلات الأعطال، والذكاء هنا أنه يتوقّع الخلل قبل حدوثه ويبلغ عنه، وهذه الأنظمة تقلل الأعطال المفاجئة بنسبة كبيرة، وتخفف الضغط على فرق الصيانة اليومية.
٣- التسعير اللحظي " Dynamic Rate Automation ": حيث تقوم أنظمة الفنادق ببناء نماذج معتمدة على رصد وتحليل أنماط حركة المنافسين، وتاريخ سلوك الضيوف المتكرر، وحركة الأحدث المحلية المفاجئة مثل المؤتمرات وحالة الطقس وحوادث النقل، وكل ذلك في سبيل القيام بتعديل السعر بشكل آني وخاصة عند ارتفاع معدل الطلبات.

٤- الرد الذكي والاستجابة التلقائية: تكون أكثر من مجرد " Chatbot "، حيث تعمل كمنصة إدراك لغوي مرتبطة بقاعدة بيانات حقيقية، تعمل على:
- فهم النية (استفسار – شكوى – تفضيل)
- التفاعل عبر أكثر من قناة (موقع – تطبيق – واتساب)
- إحالة - فقط - الحالات غير القابلة للقرار، مما يخفض زمن الاستجابة ويرفع رضا الضيف
٥- جدولة ذكية للموارد البشرية: الأنظمة تحلل إشغالات الغرف، ونوع الضيوف، وتوقيت الوجبات، والحجز في الأنشطة، ثم تُعدل:
- عدد أفراد التدبير الفندقي في كل وردية
- أدوار موظفي الاستقبال حسب فترات الذروة
- توزيع نوبات الأمن أو النقل حسب كثافة الوصول
فإجمالًا، ما يجعل هذا الذكاء " وكيلًا داخليًا " بالفعل، هو أنه
ولكن، ما هي تحديات تفعيل هذا الوكيل؟
١- الفصل بين الذكاء التفاعلي والذكاء الوكيلي: فمن أبرز التحديات أن بعض الفنادق تعتمد أدوات ذكية تفاعلية، لكنها لا تمتلك نموذجًا تشغيليًا مبنيًا على "وكيل" حقيقي، والفرق الجوهري أن النظام التفاعلي ينتظر الأوامر ويُنفّذها، بينما الذكاء الوكيلي يتحرّك تلقائيًا نحو هدف محدد دون تدخل مستمر، ويُعيد توجيه قراراته حسب السياق.
٢- صعوبة دمج البيانات: حيث تكون البيانات متناثرة بين أنظمة مختلفة وعديدة، والوكيل لا يستطيع العمل ما لم يكن متصلًا بالكامل ببنية البيانات الداخلية.
٣- الحاجة لفريق تشغيل جديد: فالذكاء الوكيلي لا يُدار من قسم تكنولوجيا المعلومات فقط، بل يحتاج على سبيل المثال إلى:
- مدير يتابع أداء الأنظمة ويضبط قراراتها بشكل خوارزمي
- محلل يتتبع كيف تتصرف الأنظمة بناءً على بيانات الضيوف
- ومسؤول عن تصميم المرحلة التي تسبق تفاعل الضيف مع النظام، بحيث تكون البيانات المعروضة واضحة، والمسارات مهيّأة لتسهيل اتخاذ القرار من طرف الذكاء

شرط هام: هل الفندق قابل للقراءة؟
سواء كان الذكاء مملوكًا للضيف ويتخذ القرار من الخارج، أو يعمل داخل الفندق لتشغيل عملياته، يظل العامل المشترك في الحالتين هو قدرة النظام على الوصول، فالذكاء لا يعمل في الفراغ، بل يبحث عن منفذ رقمي واضح يتيح له رؤية البيانات واتخاذ القرار بناءً عليها.
والفندق لا يُصبح قابلًا للاختيار في نظر وكلاء الذكاء الاصطناعي إلا إذا كانت أنظمته التقنية قابلة للقراءة والتفاعل، بمعنى أن هذا النظام الخارجي يستطيع أن يدخل على محرك الحجز، ويطّلع على مدى التوافر، ويتفهم الشروط، ويرسل طلبًا يتلقى عليه ردًا سريعًا، في حيث يستطيع النظام الوكيلي الداخلي أن يربط بين تفضيلات الضيف والموارد المتاحة، ويتصرف ذاتيًا دون انتظار تدخل بشري في كل مرة.
وكما أوضحنا سابقًا، الذكاء لا يهتم بجودة الموقع أو شكل التجربة ما لم تُترجم إلى بيانات قابلة للمعالجة، وما لم تتكامل أنظمة الفندق – من الحجز، إلى الـ PMS، إلى إدارة الصيانة والولاء – مع بعضها البعض، فتظل التجربة غير مرئية من الخارج، وغير قابلة للتفعيل من الداخل.
أي أن السؤال لم يعد: هل لدى الفندق أدوات ذكية؟ بل السؤال الحقيقي: هل هذه الأدوات موصولة؟ وهل النظام ككل قابل للقراءة من طرف وكيل لا يرى إلا ما يُتاح له رقميًا؟ لأن الفندق الذي لا يظهر أمام النظام، لا يدخل أصلًا في عملية الاختيار، مهما كانت تجربته ناجحة.
في ذلك المستقبل، لا يكفي أن يكون لديك ذكاء اصطناعي، ولا يكفي أن تكون مميزًا في تجربة الضيف، ولكن لا بد أن تكون "موصولًا من الناحية التقنية " وإلا فلن تُرى في الأساس
والآن لننتقل إلى النصف الآخر من المشهد، وهي المطاعم وقطاع الأغذية والمشروبات، حيث يعمل الذكاء الوكيلي في سياق أكثر سرعة وأقرب للتفاعل الللحظي
تعلم عن مجال الضيافة أونلاين
الذكاء الوكيلي في قطاع المطاعم: من يطلب؟ ومن يقرر؟
التحول الذي تقوده أنظمة الذكاء الاصطناعي الوكيلي " Agentic AI " يمتد بعمق إلى قطاع الأغذية والمشروبات ، وسوق المطاعم ، سواء كانت سريعة أو فاخرة، فردية أو داخل منشآت فندقية ، فهي كذلك أصبحت طرفًا مباشرًا في المعادلة، سواء من خلال وكلاء يتبعون العميل، أو من خلال أنظمة تشغيل داخلية تتحرك ذاتيًا.
الزاوية الأولى: وكيل ذكاء اصطناعي خارجي تابع للعميل
تمامًا كما في حالة الحجز الفندقي ، بدأ ظهور وكلاء ذكاء اصطناعي يتصرفون بالنيابة عن العملاء في قرارات الطعام ، ولكن في المطاعم ، سرعة القرار ودورة الاستخدام تختلف، مما يجعل التأثير أكثر لحظية وأقل تخطيطًا.
كيف يعمل هذا النوع من الوكلاء؟
- يتتبع تفضيلات الطعام مثل نوع المطبخ، مستوى السعر، قيود الحساسية
- يتكامل مع سجل المواقع والأنشطة اليومية
- يقترح مطاعم بناءً على الوقت، والموقع، وعدد الأفراد، وسوابق التجربة
- يُجري الطلب أو الحجز دون تدخل المستخدم، اعتمادًا على تكرار سابق

أمثلة على التصرفات التلقائية:
- حجز طاولة بشكل تلقائي كل يوم أربعاء الساعة ٨ في مطعم نباتي اعتاد عليه المستخدم
- إرسال طلب دليفري تلقائيًا في وقت محدد، لأن النظام تعلّم أن المستخدم يطلب نفس الوجبة في هذا التوقيت ومن هذا الموقع، واعتمد على تكرار السلوك والنظام الغذائي المسجّل
- اقتراح تجربة جديدة إذا غيّر المستخدم مساره أو روتينه – مثل اقتراح وجبة خفيفة بعد تمرين رياضي
وبالتالي سيكون التحدي أمام المطاعم أن :
- العملاء لا يقررون الطلبات بأنفسهم
- وكلاء الذكاء لا يتأثرون بالديكور، الصور، أو الحملات الترويجية
- إذا لم تكن المطاعم قابلة للاكتشاف والطلب برمجيًا، فإنها تُستبعد تلقائيًا من قرارات الطلب
الزاوية الثانية: الذكاء الوكيلي داخل المطعم
وفي الجهة المقابلة، تتجه بعض المطاعم للاعتماد على نماذج تشغيلية داخلية من الذكاء الوكيلي، بهدف تحقيق التوازن بين سرعة التشغيل، والجودة، والاقتصاد التشغيلي، ومن الأمثلة على تطبيق مثل هذه الأنظمة:
١- الوكلاء الذكية للطلب والتوصية
- استقبال الطلبات عبر مساعد صوتي أو محادثة ذكية
- اقتراح أطباق وتطبيقة استراتيجية تسويق وبيع بناءً على سجل العميل أو محتويات الطبق الحالي
- التبديل التلقائي للمكونات عند نقص المخزون (مثلاً استبدال نوع جبن أو خبز)
٢- الوكلاء المُتنَبئة بالمخزون وحجم الطلب
- التنبؤ بمعدلات الاستهلاك حسب اليوم والساعة والطقس والأحداث
- إصدار أوامر شراء تلقائية قبل نفاد المخزون
- خفض الفاقد عبر نماذج وصفية لحجم الحصص المطلوبة

٣- الوكلاء المنظمة للموارد البشرية
- إعادة توزيع الوردية بناءً على عدد الحجوزات المتوقعة، أو تغيّر مفاجئ في الطقس أو الحضور
- تشغيل دور إضافي مؤقت (مثل مضيف إضافي أو سائق توصيل) في وقت الذروة دون إشراف بشري مباشر
٤- تحسين تجربة الضيف بناءً على السيناريو
- تغيير الموسيقى أو الإضاءة بناءً على نوع المجموعة (عائلية – زوجية – عملية)
- توقيت تقديم الطعام بناءً على سلوك الجلوس (العميل في عجلة – مستعد لتجربة طويلة)
- إرسال عروض لاحقة بناءً على تجربة اليوم (تخفيض مخصص لطبق تم طلبه مرتين سابقًا)
تجربة الطعام قد تبدو ناجحة في عين الضيف، لكن يصعب على أنظمة الذكاء فهمها إذا كانت بيانات المطعم متفرّقة بين أنظمة لا تتواصل مع بعضها. حين يعمل الطلب في جهة، والمخزون في جهة، والتوصيل في جهة أخرى، تفقد التجربة معناها داخل النظام. الترابط بين الأجزاء هو ما يجعل التجربة واضحة، قابلة للفهم، وسهلة التكرار من جانب أي وكيل ذكي
تعرف على كل جديد في مجال المطاعم و الفنادق من خلال آي هوريكا
المنصة المتخصصة لقطاع تقديم خدمات الأغذية و الضيافة
الذكاء الاصطناعي الوكيلي يعيد تشكيل مفاهيم الضيافة